![]() |
|
![]() |
#3 |
عضــــو نشيــط
تاريخ التسجيل: Dec 2004
المشاركات: 150
|
مشاركة: قصة(انت لي) رائعة
الحلقة السادسة
* * * * * * * وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته ... كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني ... دققت النظر إليه ... لم يحرّك ساكنا رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره ساكنا عن أية أنفاس ... أدركت ... أنه مات ... و إنني أنا ... من قتله استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد ... صغيرتي الحبيبة ... مدللتي الغالية ... مهجة قلبي ... رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء ... بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها ... نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني و تركتني بلا طاقة و لا حراك ... في منتصف الطريق ، انهرت ... خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط و ارتطمت ركبتاي بالرمال ... و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض ... رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع ... بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي : " تعالي ... " رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول : " تعالي ... رغد " الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا ... طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رممي ذراعي المنهارتين حولها بضعف بكيت كثيرا ... و كثيرا جدا ... لما ضاع ... و لما انتهى .. و لما هو آت و محتوم ... بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء ... و السكون التام يسيطر على الأجواء ... كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن ... استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة : " سامحيني يا رغد ... سامحيني ... " رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري : " دعنا نعود للبيت " أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء ... و أي لقاء ؟؟ لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية لم يجد لساني ما يستطيع النطق به ... حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت أطلقت صيحة حسرة و ألم مريرة تمنيت لو أنها زلزلت الكون كله ، و حطمت كل الأجرام و الكواكب و من عليها ... و محت الدنيا من الوجود ... و طفلتي الصغيرة تبكي على صدري مذعورة فزعة ... و عدوّي الوغد جثة هامدة تقطر دما ... و حلمي الكبير قد ضاع و تلاشى كغبار عصفت به ريح غادرة ... و مصيري المجهول البعيد ... كما وراء الأفق ... و الساحة الخالية إلا من رغد وأنا ... و الشمس تشهد ما حدث و يحدث ... رفعت يدي إلى السماء ... و صرخت : " يا رب .... " استطعت أخيرا أن اشحن بالطاقة الكافية ، لأنهض و أحمل صغيرتي على ذراعي ، و أسير بها نحو السيارة ... لم أجلسها على المقعد المجاور لا ، بل أجلستها ملتصقة بي ، فأنا لا أريد لبضع بوصات أن تبعدها عني ... رن هاتفي المحمول ، و الذي كان في السيارة ، ألقيت نظرة لا مبالية على اسم المتصل الظاهر في الشاشة ، كان صديقي سيف ، أخذت الهاتف و أسكته ، و ألقيت به جانبا ... فكل شيء قد انتهى ... انطلقت بالسيارة ببطء ، و أنا لا أعرف إلى أين أتجه ... فكل شيء أمامي كان مبهما و مجهولا ... قطعت مسافة طويلة في اتجاهات متعددة ، و نار صدري تتأجج ، و دموعي عاجزة عن إطفاء شرارة واحدة منها ... صغيرتي ، ظلت متشبثة بي ، لا تتكلم ، و تنحدر دمعة من عينها تخترق صدري و تمزق قلمي قبل أن ينتهي بها المصير إلى ملابسها المتعطشة لمزيد من الدموع ... بعد فترة ، مررت في طريقي بحديقة عامة و تصورا أي تصرف لا يمت لوضعي بصلة ، هو الذي بدر مني دون تفكير ! "رغد عزيزتي ، ما رأيك باللعب هنا قليلا ؟ " رغد رفعت بصرها إلي ببراءة و شيء من الاستغراب ... فحتى على طفلة صغيرة محدودة المدارك ، لا يبدو هذا تصرفا طبيعيا .. " سأشتري بعض البوضا لنا أيضا ! هيا بنا " و أوقفت السيارة ، و فتحت الباب ، و نزلت و أنزلتها عبر الباب ذاته . أمسكت بيدها و حثثتها على السير معي نحو مدخل الحديقة هناك ، كان العدد القليل جدا من الناس يتنزهون ، مع أطفالهم الصغار ، فهو نهار يوم دراسي و حار ... إنني اعرف أن صغيرتي تحب الأراجيح كثيرا ، لذا ، أخذتها إلى الأرجوحة و بدأت أؤرجحها بخفة ... تخلخل الهواء ملابسها الغارقة في الدموع ، فجففها ، و صافحت وجهها الكئيب فأنعشته ... تصوروا أنها ابتسمت لي ! عندما كانت رغد تبتسم ، فإن الدنيا كلها ترقص بفرح في عيني ّ و البهجة تجتاح فؤادي و أي غبار لأي هموم يتبعثر و يتلاشى ... أما هذه الابتسامة ... فقد قتلتني ... لم أع لنفسي إلا و الدموع تقفز من عيني ّ قفزا ، و أوصالي ترتجف ارتجافا ، و قلبي يكاد يكسر ضلوعي من شدة و قوة نبضاته ... تبتسمين يا رغد ؟ بكل بساطة ... و كأن شيئا لم يكن !؟ ألا يا ليتني ... قتلتك يا عماّر يوم تعاركنا ... ليتني قضيت عليك منذ سنين ... ليتني أحرقتك قبل أن تحرق قلبي و تدمر ماضي و مستقبلي ... و تحطّم أغلى ما لدي ... " وليد " انتبهت على صوت رغد تناديني ، و أنا غارق في الحزن المرير ... مسحت دموعي بلا جدوى ، فالسيل منهمر و الدمعة تجر الدمعة ... " نعم غاليتي ؟ " " هل نشتري البوضا الآن ؟ " أغمضت عيني ... و أوقفت الأرجوحة شيئا فشيئا ، فنزلت و استدارت إلي ... فأخذتها في حضني و قلت باكيا و مبتسما : " نعم يا صغيرتي ، سنشتري البوضا و أي شيء تريدينه ... و كل شيء تتمنينه ... أي شيء أيتها الحبيبة ... أي شيء ... أي شيء ... " و انخرطت في بكاء قوي ... رغد ، تبدلت تعابير وجهها و قالت و هي تندفع للبكاء : " لا تبكي وليد أرجوك " و أجهشت بكاءا هي الأخرى ... جذبتها إلى صدري و طوقتها بحنان و عاطفة ممزقة ... و بكينا سوية بكاءا يعجز اللسان عن وصفه ... و القلب عن تحمله .. و الكون عن استيعاب فيض عبره و امتزجت دموعنا ... و لو مر أحد منا لبكى ... و لو شهدتم بكاءنا لخررتم باكيين ... ألا و حسبنا الله و نعم الوكيل .... بعد ذلك ، مسحت دموعها و دموعي ، و ابتسمت لها : " إلى البوضا الآن ! " حملت الطفلة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن الضئيلة الجسم البريئة الروح على ذراعي ، فهي تحب ذلك ... و أنا سأفعل كل ما تحبه و تريده ... و لو أملك الدنيا و ما عليها لقدمتها لها فورا ... قبل الرحيل ... و هل سيعوّض ذلك شيئا ...؟؟ اشترينا البوضا ، و جلسنا نتناولها قرب النافورة ، و حين فرغت من نصيبها اشتريت لها واحدا آخر ... و كذلك ، أطعمتها البطاطا المقلية فهي تحبها كثيرا ! أطعمتها بيدي هاتين ... نعم ... بهاتين اليدين اللتين كثيرا ما اعتنتا بها ... في كل شيء ... و اللتين قتلتا عمّار قبل قليل ... و اللتين ستكبلان بالقيود ، و تذهبان إلى حيث لا يمكنني التكهن ... جعلتها تلعب بجميع الألعاب التي تحبها ، دون قيود و دون حدود ، بل ركبت معها و للمرة الثانية في حياتها ذلك القطار السريع الذي جربنا ركوب مثيله قبل 3 سنوات ... و كم أسعدتها التجربة الثانية ! نعم ... ببساطة ... أسعدتها ! كأي طفلة صغيرة وجدت فرصة لتلهو ... دون أن تدرك حقائق الأمور ... لهونا كثيرا ... ، و حين اقترب الموعد الذي يفترض أن أكون فيه عند مدرسة رغد و دانة ، في انتظار خروجهما ... " عزيزتي ، سنذهب لأخذ دانة من المدرسة ، لا تخبريها عن أي شيء " نظرت رغد إلي باستفهام ، أمسكت بكتفيها و قلت مؤكدا : " لا تخبري أحدا عن أي شيء ، أنا سأخبرهم بأنك لم تشائي الذهاب للمدرسة فأخذتك معي ... اتفقنا رغد ؟ عديني بذلك ؟ " و ضغط على كتفيها و بدا الحزم في عيني ... فقالت : " حسنا " قلت مؤكدا : " أخبريهم فقط أنك ذهبت معي ، و نمت أثناء الطريق و لا تعلمين أي شيء آخر ... لا تأتي بذكر أي شيء آخر رغد ... فهمت ِ عزيزتي ؟ " " نعم " " عديني بذلك يا رغد ... عديني " " أعدك ... وليد " " إذا أخلفت وعدك ، فإنني سأرحل و لن أعود إليك ثانية " توجم وجهها ، ثم أمسكت بيدي و شدّت قبضتها بقوة و اغرورقت عيناها بالدموع و تعابيرها بالفزع و قالت : " لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني . أعدك . أعدك " وصلنا إلى البيت أخيرا ، بدا الوضع شبه طبيعي ، إلا من سكون غريب من قبل رغد و التي يفترض بها أن تكون مرحة ... الكل عزا ذلك للحزن الذي يعتريها بسبب سفري المرتقب . سألتني أمي : " كيف كان الامتحان ؟ " قلت : " سأخبرك بعد الغذاء " و تركت العائلة تنعم بوجبة هنيئة أخيرة ... بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة والدي ّ في وقت قيلولتهما الصغيرة ... " والدي ... والدتي ... لدي ما أخبركما به " بدا القلق على وجهيهما ، و تلعثمت الكلمات على لساني... أمي ، حين لاحظت حالتي المقلقة قالت : " هل الامتحان .... ؟؟ " قلت : " لم أحضر الامتحان " اندهشا و تفاجأا ... __________________
__________________
![]() |
![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|