|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
4th March 2003, 15:26 | #1 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 211
|
سلسلة رجال حول الرسول لخالد محمد خالد..الحلقة الاولى سعيد ابن عامر رضي الله عنه
سعيد بن عامر العظمة تحت الاسمال أيّنا سمع هذا الاسم, وأيّنا سمع به من قبل..؟ أغلب الظن أن أكثنا, ان لم نكن جميعا, لم نسمع به قط.. وكأني بكم اذ تطالعونه الآن تتساءلون: ومن يكون عامر هذا..؟؟ أجل سنعلم من هذا السعيد..!! ** انه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم, وان لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة. انه واحد من كبار الأتقياء الأخفياء..!! ولعل من نافلة القول وتكراره, أن ننوه بملازمته رسول الله في جميع مشاهده وغزواته.. فذلك كان نهج المسلمين جميعا. وما كان لمؤمن أن يتخلف عن رسول الله في سلم أو جهاد. أسلم سعيد قبيل فتح خيبر, ومنذ عانق الاسلام وبايع الرسول, أعطاهما كل حياته, ووجوده ومصيره. فالطاعة, والزهد, والسمو.. والاخبات, والورع, والترفع. كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الانسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا.. وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها, علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر.. فحين تقع العين على سعيد في الزحام, لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل.. ستجد العين واحدا من أفراد الكتيبة الانمية.. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه, ولا في شكله الاخرجي, ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!! فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته, فلن نبصر شيئا, فان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أيّ من مظاهر البذخ والزخرف. انها هناك كامنة مخبوءة وراء بساطته وأسماله. أتعرفون اللؤلؤ المخبوء في جوف الصدف..؟ انه شيء يشبه هذا.. ** عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام, تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه. وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه, أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر, والدقة, والأناة.. ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال في أقصى الأرض سيسأل عنه الله اثنين: عمر أولا.. وصاحب الخطأ ثانيا.. ومعاييره في تقييم الناس واختيار الولاة مرهفة, ومحيطة,وبصيرة, أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا.. والشام يومئذ حاضرة كبيرة, والحياة فيها قبل دخول الاسلام بقرون, تتقلب بين حضارات متساوقة.. وهي مركز هام لتجارة. ومرتع رحيب للنعمة.. وهي بهذا, ولهذا درء اغراء. ولا يصلح لها في رأي عمر الا قديس تفر كل شياطين الاغراء أمام عزوفه.. والا زاهد, عابد, قانت, أواب.. وصاح عمر: قد وجدته, اليّ بسعيد بن عامر..!! وفيما بعد يجيء سعيد الى أمير المؤمنين ويعرض عليه ولاية حمص.. ولكن سعيجا يعتذر ويقول: " لا تفتنّي يا أمير المؤمنين".. فيصيح به عمر: " والله لا أدعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي.. ثم تتركوني"..؟؟!! واقتنع سعيد في لحظة, فقد كانت كلمات عمر حريّة بهذا الاقناع. أجل. ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم, ثم ينركوه وحيدا..واذا انفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر, فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال..؟؟ خرج سعيد الى حمص ومعه زوجته, وكانا عروسين جديدين, وكانت عروسه منذ طفولتها فائقة الجمال والنضرة.. وزوّده عمر بقدر طيّب من المال. ولما استقرّا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة في استثمار المال الذي زوده به عمر.. وأشارت هليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لائق, ومتاع وأثاث.. ثم يدخر الباقي.. وقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا..؟؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة, وسوقها رائجة, فلنعط المال م يتجر لنا فيه وينمّيه.. قالت: وان خسرت تجارته..؟ قال سعيد: سأجعل ضمانا عليه..!! قالت: فنعم اذن.. وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات غعيشه المتقشف, ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين.. ومرّت الأيام.. وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتهما وأيّان بلغت من الأرباح.. ويجيبها سعيد: انها تجارة موفقة.. وان الرباح تنمو وتزيد. وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم. ثم ضحك ضحكة أوحت الى روع الزوجة بالشك والريب, فألحت عليه أن يصارحها الحديث, فقا لها: لقد تصدق بماله جكيعه من ذلك اليوم البعيد. فبكت زوجة سعيد, وآسفها أنها لم تذهب من هذا المال بطائل فلا هي ابتاعت لنفسها ما تريد, والا المال بقي.. ونظر اليها سعيد وقد زادتها دموعها الوديعة الآسية جمالا وروعة. وقبل أن ينال المشهد الفاتن من نفسه ضعفا, ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيها أصحابه السابقين الراحلين فقال: " لقد كان لي أصحاب سبقوني الى الله... وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها"..!! واذ خشي أن تدل عليه بجمالها, وكأنه يوجه الحديث الى نفسه معها: " تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان, ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعا, ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا.. فلأن أضحي بك من أجلهن, أحرى أولى من أن أضحي بهن من أجلك"..!! وأنهى حديثه كما بدأه, هادئا مبتسما راضيا.. وسكنت زوجته, وأدركت أنه لا شيء أفضل لهما من السير في طريق سعيد, وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقواه..!! يتبع |
4th March 2003, 15:30 | #2 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 211
|
يتبع ما قبله
كانت حمص أيامئذ, توصف بأنها الكوفة الثانية وسبب هذا الوصف, كثرة تمرّد أهلها واختلافهم على ولاتهم. ولما كانت الكوفة في العراق صاحبة السبق في هذا التمرد فقد أخذت حمص اسمها لما شابهتها... وعلى الرغم من ولع الحمصيين بالتمرّد كما ذكرنا, فقد هدى الله قلوبهم لعبده الصالح سعيد, فأحبوه وأطاعوه. ولقد سأله عمر يوما فقال: " ان أهل الشام يحبونك".؟ فأجابه سعيد قائلا:" لأني أعاونهم وأواسيهم"..! بيد أن مهما يكن أهل حمص حب لسعيد, فلا مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى.. على الأقل لتثبت حمص أنها لا تزال المانفس القوي لكوفة العراق... وتقدم البعض يشكون منه, وكانت شكوى مباركة, فقد كشفت عن جانب من عظمة الرجل, عجيب عجيب جدا.. طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها, واحدة واحدة.. فنهض المتحدث بلسان هذه المجموعة وقال: نشكو منه أربعا: " لا يخرج الينا حت يتعالى النهار.. وا يجيب أحدا بليل.. وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما الينا ولا نراه, وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا, وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين".. وجلس الرجل: وأطرق عمر مليا, وابتهل الى الله همسا قال: " اللهم اني أعرفه من خير عبادك.. اللهم لا تخيّب فيه فراستي".. ودعاه للدفاع عن نفسه, فقال سعيد: أما قولهم اني لا أخرج اليهم حتى يتعالى النهار.. " فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب.. انه ليس لأهلي خادم, فأنا أعجن عجيني, ثم أدعه يختمر, ثم اخبز خبزي, ثم أتوضأ للضحى, ثم أخرج اليهم".. وتهلل وجه عمر وقال: الحمد للله.. والثانية..؟! وتابع سعيد حديثه: وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل.. فوالله, لقد كنت أكره ذكر السبب.. اني جعلت النهار لهم,والليل لربي".. أما قولهم: ان لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما... " فليس لي خادم يغسل ثوبي, وليس بي ثياب أبدّلها, فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر أن يجف بعد حين.. وفي آخر النهار أخرج اليهم ". وأما قولهم: ان الغشية تأخذني بين الحين والحين.. " فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة, وقد بضعت قريش لحمه, وحملوه على جذعه, وهم يقولون له: أحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى..؟ فيجيبهم قائلا: والله ما أحب أني في أهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة.. فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيتهو أنا يومئذ من المشركين, ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها, أرتجف خوفا من عذاب الله, ويغشاني الذي يغشاني".. وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة.. ولم يمالك عمر نفسه ونشوه, فصاح من فرط حبوره. " الحمد للله الذي لم يخيّب فراستي".! وعانق سعيدا, وقبّل جبهته المضيئة العالية... ** أي حظ من الهدى ناله هذا الطراز من الخق..؟ أي معلم كان رسول الله..؟ اي نور نافذ, كان كتاب الله..؟؟ وأي مدرسة ملهمة ومعلمة, كان الاسلام..؟؟ ولكن, هل تستطيع الأرض أن تحمل فوق ظهرها عددا كثيرا من هذا الطراز..؟؟ انه لو حدث هذا, لما بقيت أرضا, انها تصير فردوسا.. أجل تصير الفردوس الموعود.. ولما كان الفردوس لم يأت زمانه بعد فان الذين يمرون بالحياة ويعبرون الأرض من هذا الطراز المجيد الجليل.. قللون دائما ونادرون.. وسعيد بن عامر واحد منهم.. كان عطاؤه وراتبه بحكم عمله ووظيفته, ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه.. ثم يوزع باقيه على بيوت أخرى فقيرة... ولقد قيل له يوما: " توسّع بهذا الفائض على أهلم وأصهارك".. فأجاب قائلا: " ولماذا أهلي وأصهاري..؟ لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة".. وطالما كان يقال له: " توسّع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيّبات الحياة".. ولكنه كان يجيب دائما, ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه: " ما أنا بالنتخلف عن الرعيل الأول, بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب, فيحيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحامام, فيقال لهم: قفوا للحساب, فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس".. ** وفي العام العشرين من الهجرة, لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة, وأتقى ما يكون قلبا, وأنضر ما يكون سيرة.. لقد طال شوقه الى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده, وتتبع خطاه.. أجل لقد طال شوقه الى رسوله ومعلمه.. والى رفاقه الأوّابين المتطهرين.. واليوم يلاقيهم قرير العين, مطمئن النفس, خفيف الظهر.. ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله,, ليس معه الا ورعه, وزهده, وتقاه, وعظمة نفسه وسلوكه.. وفضائل تثقل الميزان, ولكنها لا تثقل الظهور..!! ومزايا هز بها صاحبها الدنيا, ولم يهزها غرور..!! ** سلام على سعيد بن عامر.. سلام عليه في محياه, وأخراه.. وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه.. وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. انته |
4th March 2003, 16:20 | #3 |
عضو مهم
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 2,030
|
جزاك الله خير يالجار
مشاركه ........ راقيه
نجد اغلب الاسئله فى المسابقات التلفزيونيه والصحف عن اشهر القاده الدكتاتوريين مثل هتلر وموسلينى وغيرهم واسئله عن اخر اغنيه واخر مطرب ومطربه ....... ؟؟؟؟؟؟؟؟ حتى ترسخت اسمائهم فى ذاكرة الكبير قبل الصغير فمن باب اولى ان نعرف اسماء الصحابه وسرد سيرتهم العطرة. ولكنه كان يجيب دائما, ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه: " ما أنا بالنتخلف عن الرعيل الأول, بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب, فيحيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحامام, فيقال لهم: قفوا للحساب, فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس".. فيقال لهم: قفوا للحساب, فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس".. لا أستطيع التعليق على هذه الكلمات الا ان اقول .. سلام على سعيد بن عامر.. سلام عليه في محياه, وأخراه.. وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه.. وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجزاك الله خير ........ يالجار ........ فنحن معك .. وسنسافر معك ونحن بنتظار الاسماء اللامعه وسير الصحابه رضوان الله عليهم الذين تمسكوا بالدين ودافعوا عنه وافنوا حياتهم من اجل الله ورسوله وقدموا لنا اروع صور التضحيه ..... فهم فعلا قدوه وشخصيات مثاليه تقبل تحياتي اخوك ابوهلااااااااااااااا اااااا
__________________
[poem font="Simplified Arabic,4,black,norma l,normal" bkcolor="transparent " bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"] قد قالوا اصحاب الحكم وانا بردد ذالمقال = تصرفات اهل الجهل يشقى بها اهل العقول شنار[/poem] |
4th March 2003, 17:44 | #4 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
المشاركات: 36
|
الاخ العزيز الجار السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحيه طيبه من القلب اليكم راجبا من الله ان يجمعنا على طاعته واشكرك على المجهود الطيب في سرد اصحاب النبي عليه السلام ، ولكن هناك ملاحظه على الكاتب خالد محمد خالد . من شريط الشيخ / عثمان الخميس { كيف نقرأ التاريخ } يقول : ان الكاتب خالد محمد خالد لا يروي القصه من مضمونها المتكامل وانما يروى القصه من الناحيه الجماليه فقط ولا يهتم من صحة الروايه المنقوله ، وان على الباحث ان يبحث في الكتب المعتمدة لابن كثير ، الامام الذهبي ، ابي بكر العربي { العواصم من القواصم } لذا نقتضي التنبيه و الفائدة اخوك / السيف التعديل الأخير تم بواسطة السيف ; 5th March 2003 الساعة 00:43 |
5th March 2003, 09:29 | #5 |
عضــــو نشيــط
تاريخ التسجيل: Feb 2003
المشاركات: 233
|
الاخوان الجار * ابو هلا* السيف
عزيزي الجار * ابو هلا * السيف
الله يجزاكم خير على اثراء المجلس بمثل هذه المواضيع الطيبةو المداخلة والتعليق وهذا هو المطلوب من الاعضاء بارك الله فيهم كل من عنده معلومة اومشاركة لا يبخل على اخوانه بها اخوكم الراوي
__________________
[ لا يكفي أن تكون في النور لترى .. بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه ..!! FLASH=http://shabeeb3.jeeran.com/a2.swf]WIDTH=450 HEIGHT=250[/FLASH] |
8th March 2003, 14:43 | #6 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 211
|
بسم الله
اخوي ابو هلا السيف الراوي السلام عليكم وحياكم الله وان شاء الله نطرح ماهو متفق عليه مع الكتب الموثوقه ونحذف مافيه شكه. وحياكم الله اخوكم الجار |
8th March 2003, 14:46 | #7 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 211
|
خبيب بن عديّ الحلقة الثانية
خبيب بن عديّ والآن.. افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال.. وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان.. تعالوا, خفاقا وثقالا.. تعاولوا مسرعين, وخاشعين.. وأقبلوا, لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!! تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟ أجل كانت دروسا.. وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير.. ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية.. أستاذ لوفاتكم مشهده, فقد فاتكم خير كثير, جدّ كثير.. الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد.. الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد.. وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور, وظننتم بالاسلام ظنّ السّوء.. تعالوا بغروركم..! تعالوا وانظروا أية عزة, وأية منعة, وأي ثبات, وأيّ مضاء.. وأي فداء, وأي ولاء.. وبكلمة واحدة, أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!! أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟ انه موضوع درسنا اليوم, يا كلّ بني الانسان...! هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع, وهو الدرس, وهو الاستاذ.. اسمه خبيب بن عديّ. احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا. واحفظوه وانشدوه, فانه شرف لكل انسان.. من كل دين, ومن كل مذهب, ومن كل جنس, وفي كل زمان..!! ** انه من أوس المدينة وأنصارها. تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم, وآمن بالله رب العالمين. كان عذب الروح, شفاف النفس, وثيق الايمان, ريّان الضمير. كان كما وصفه حسّان بن ثابت: صقرا توسّط في الأنصار منصبه سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب ولما رفعت غزوة بدر أعلامها, كان هناك جنديا باسلا, ومقاتلا مقداما. وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل. وبعد انتهاء المعركة, وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم, وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!! ** وعاد المسلمون من بدر الى المدينة, يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد.. وكان خبيب عابدا, وناسكا, يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين, وشوق العابدين.. هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل, ويصوم الناهر, ويقدّس لله رب العالمين.. ** وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش, ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها, واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت. وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة, نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم, وراحوا يتعقبونهم, ويقتفون آثارهم.. وكادوا يزيغون عنهم, لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة, ثم صاح في الذين معه: " انه نوى يثرب, فلنتبعه حتى يدلنا عليهم".. وساروا مع النوى المبثوث على الأرض, حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون.. وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون, فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل.. واقترب الرماة المائة, وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار.. ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء. والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين. وانتظروا بما يأمر.. فاذا هو يقول:" أما أنا, فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك.. اللهم أخبر عنا نبيك".. وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد, وأصيب معه سبعة واستشهدوا.. ونادوا الباقين, أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا. فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه.. واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم, وبرطوهما بها.. ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر, فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه.. واستشهد حيث أراد.. وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا, وأبرّهم عهدا, وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!! وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما, ولكنه كان شديد الاحكام. وقادهما الرماة البغاة الى مكة, حيث باعوهما لمشركيها.. ودوّى في الآذان اسم خبيب.. وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر, تذكّروا ذلك الاسم جيّدا, وحرّك في صدورهم الأحقاد. وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم. وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم, ليس منه وحده, بل ومن جميع المسلمين..!! وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا.. يتبع ما بعده |
8th March 2003, 14:50 | #8 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 211
|
يتبع ما قبله
أسلم خبيب قلبه, وأمره,ومصيره لله رب العالمين. وأقبل على نسكه ثابت النفس, رابط الجأش, معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر, ويلاشي الهول. كان الله معه.. وكان هو مع الله.. كانت يد الله عليه, يكاد يجد برد أناملها في صدره..! دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره, فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكييبصروا عجبا.. " والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه.. وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة.. ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!! أجل آتاه الله عبده الصالح, كما آتى من قبل مريم بنت عمران, يوم كانت: ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.. قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب).. ** وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه. ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه, ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه, وأنزل عليه سكينته ورحمته. وراحوا يساومونه على ايمانه, ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد, ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!! أجل, كان ايما خبيب كالشمس قوة, وبعدا, ونارا ونورا.. كان يضيء كل من التمس منه الضوء, ويدفئ كل من التمس منه الدفء, أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه.. واذا يئسوا مما يرجون, قادوا البطل الى مصيره, وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه.. وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين, وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه.. وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات... وتدفقت في روحه حلاوة الايمان, فودّ لو يظل يصلي, ويصلي ويصلي.. ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم: " والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت, لازددت صلاة"..!! ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال: " اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا".. ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد: ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب.. ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم. وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!! لم يغمض عينيه, ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه. وبدأت الرماح تنوشه, والسيوف تنهش لحمه. وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: " أتحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟ وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح, في قاتليه: " والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة".. نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان, وكان لم يسلم بعد, يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!! ** كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها, فتناوشه في جنون ووحشية.. وقريبا من المشهد كانت تحومطيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة.. ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت, وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى. وفجأة طارت تشق الفضاء, وتمضي بعيدا.. بعيدا.. لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب, فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!! مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة. وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية.. وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!! كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا, قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا: " اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا".. واستجاب الله دعاءه.. فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة.. وتراءى له جثمان أحدهم معلقا.. ومن فوره دعا المقداد بن عمرو, والزبير بن العوّام.. فركبا فرسيهما, ومضيا يقطعان الأرض وثبا. وجمعهما الله بالمكان المنشود, وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب, حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب. ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب. ولعل ذلك أحرى به وأجدر, حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ, وفي ضمير الحياة, بطلا.. فوق الصليب..!!! |
9th March 2003, 15:39 | #9 |
عضــــو
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 12
|
جزاك الله خير يالجار وننتظر البقية
|
9th March 2003, 17:49 | #10 |
مراقب عام
تاريخ التسجيل: Jan 2003
المشاركات: 426
|
الله يعطيك العافيه يالجار
تسلم وبصراحه مشاركات مميزه ونتمنا استمراها
اخوك ابوتركي |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|